سورة القصص - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه: أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى إذا اشتملت على بيوت مصر أحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، فدعا السحرة، والكهنة، والعافة، والزجرة. وهم العافة الذين يزجرون الطير فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه- يعنون بيت المقدس- رجل يكون على وجهه هلاك مصر. فأمر بني إسرائيل أن لا يولد لهم ولد إلا ذبحوه، ولا يولد لهم جارية إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجاً فادخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة، فجعلوا بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وادخلوا غلمانهم. فذلك حين يقول {إن فرعون علا في الأرض} يقول: تجبر في الأرض {وجعل أهلها شيعاً} يعني بني إسرائيل {يستضعف طائفة منهم} حين جعلهم في الأعمال القذرة، وجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح فلا يكبر صغير.
وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت، فأسرع فيهم. فدخل رؤوس القبط على فرعون فكلموه فقالوا: إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا تذبح أبناءهم فلا يبلغ الصغار فيعينون الكبار، فلو أنك كنت تبقي من أولادهم. فأمر أن يذبحوا سنة، ويتركوا سنة، فلما كان في السنة التي لا يذبحون فيها ولد هرون عليه السلام. فترك، فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت أم موسى بموسى عليه الصلاة والسلام، فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه، فلما وضعته أرضعته ثم دعت له نجاراً وجعلت له تابوتاً، وجعلت مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه، وألقته في اليم بين أحجار عند بيت فرعون، فخرجن جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن، فوجدن التابوت، فادخلنه إلى آسية وظنن أن فيه مالاً، فلما تحرك الغلام رأته آسية صبياً، فلما نظرته آسية وقعت عليه رحمتها وأحبته.
فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا. فبينما هي ترقصه وتلعب به إذ ناولته فرعون وقالت: خذه {قرة عين لي ولك} [ القصص: 9] قال فرعون: هو قرة عين لك- قال عبد الله بن عباس: ولو قال هو قرة عين لي إذاً لآمن به، ولكنه أبى- فلما أخذه إليه أخذ موسى عليه السلام بلحيته فنتفها فقال فرعون: عليَّ بالذباحين هو ذا.
قالت آسية: لا تقتله {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً} [ القصص: 9] إنما هو صبي لا يعقل وإنما صنع هذا من صباه، أنا أضع له حلياً من الياقوت، وأضع له جمراً فإن أخذ الياقوت فهو يعقل اذبحه، وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي، فاخرجت له ياقوتاً، ووضعت له طستاً من جمر، فجاء جبريل عليه السلام فطرح في يده جمرة، فطرحها موسى عليه السلام في فيه فاحرقت لسانه، فارادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء، وجعلن النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع فأبى أن يأخذ.
فجاءت أخته فقالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} فأخذوها فقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت: ما أعرفه ولكن إنما هم للملك ناصحون. فلما جاءته أمه أخذ منها. وكادت تقول: هو ابني. فعصمها الله فذلك قوله: {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} قال: قد كانت من المؤمنين ولكن بقول: {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} قال السدي: وإنما سمي موسى لأنهم وجدوه في ماء وشجر والماء بالنبطية مو الشجر سى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون} يقول: في هذا القرآن نبؤهم {إن فرعون علا في الأرض} أي بغى في الأرض {وجعل أهلها شيعاً} أي فرقاً.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وجعل أهلها شيعاً} قال: فرق بينهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وجعل أهلها شيعاً} قال: يتعبد طائفة، ويقتل طائفة، ويستحيي طائفة.
أما قوله تعالى: {إنه كان من المفسدين}.
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: لقد ذكر لنا أنه كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار، ثم يصف بعضه إلى بعض، ثم يؤتى بحبالى من بني إسرائيل فيوقفن عليه، فيجز أقدامهن حتى أن المرأة منهم لتضع بولدها، فيقع بين رجليها، فتظل تطؤه وتتقي به حد القصب عن رجليها لما بلغ من جهدها. حتى أسرف في ذلك وكان يفنيهم قيل له: أفنيت الناس، وقطعت النسل، وإنما هم خولك وعمالك، فتأمر أن يقتلوا الغلمان عاماً، ويستحيوا عاماً، فولد هرون عليه السلام في السنة التي يستحيي فيها الغلمان، وولد موسى عليه السلام في السنة التي فيها يقتلون، وكان هرون عليه السلام أكبر منه بسنة، فلما أراد الله بموسى عليه السلام ما أراد واستنقاذ بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء، أوحى الله إلى أم موسى حين تقارب ولادها {أن أرضعيه} [ القصص: 7].


{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} قال: يوسف وولده.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} قال: هم بنو إسرائيل {ونجعلهم أئمة} أي هم ولاة الأمر {ونجعلهم الوارثين} أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} قال: ما كان القوم حذروه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ونجعلهم الوارثين} قال: يرثون الأرض بعد آل فرعون، وفي قوله: {ونري فرعون} الآية قال: كان حاز يحزي لفرعون فقال: إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم وكان فرعون {يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم} حذراً لقول الحازي فذلك قوله: {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله قال: قال عمر رضي الله عنه: إني استعملت عمالاً لقول الله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض}.


{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى} يقول: ألهمناها الذي صنعت بموسى.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى} قال: قذف في نفسها.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} قال: وحي جاءها عن الله قذف في قلبها، وليس بوحي نبوة {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} قال: فجعلته في تابوت فقذفته في البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: إن الله أوحى إلى أم موسى حين وضعت {أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} فلما خافت عليه جعلته في التابوت، وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر، وخرجت امرأة فرعون إلى البحر وابنة لفرعون برصاء، فرأوا سواداً في البحر، فأخرج التابوت إليهم، فبدرت ابنة فرعون وهي برصاء إلى التابوت، فوجدت موسى في التابوت وهو مولود، فأخذته فبرأت من برصها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش رضي الله عنه قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله: {فإذا خفت عليه} قال: أن يسمع جيرانك صوته.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} قال: فجعلته في بستان فكانت تأتيه في كل يوم مره فترضعه، وتأتيه في كل ليله فترضعه فيكفيه ذلك {فإذا خفت عليه} قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك. فذلك قوله: {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ولا تخافي} قال: لا تخافي عليه البحر {ولا تحزني} يقول: ولا تحزني لفراقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً} قال: في دينهم {وحزناً} قال: لما يأتيهم به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8